الجنة الموعودة

موضوع: الجنة الموعودة الأحد يناير 04, 2009 2:34 pm

الجنة الموعودة

في ليلة هادئة تحت ضوء القمر الفضي اللألاء الساخر من ظلام الليل، وعلى شاطئ بحر العرب الذي تهتاج أمواجه الهادرة عادةً في شهر أغسطس وسبتمبر مبتسمةً للقمر في مشهد ساحر ، ورائحة البحر الزكية تفغم الأنوف ، ولنسيم البحر أنداء تداعب أسارير الوجوه فتعيد لها نضرتها بعد الأفول.

في تلك الأجواء, رقدنا أنا وصاحبي على الساحل الرملي الأبيض النقي، وجعلنا أعيننا قيد هذه السماء المجلوّة ، وقد بهرتنا بأنجمها الزهر ، وكأنما هي تعكس صورة حَبَابَ البحر الذي تقذف به الأمواج ! ، أخذ كل منّا يفضي لصاحبه بلواعجه ، وأخذنا نسكب في جوف هذا الليل أحزاننا ، ونُوْدعُ في هذا البحر الغامض همومنا ، وقد كان صاحبي من أشد الناس تحفظاً لأسرار نفسه ، فهو كتوم لا تكاد تظفر منه بشيء ، فرجوت أن تكون هذه اللحظة التي ينسى المرء فيها نفسه مفتاحاً لأسراره المغلقة.

وإني لمستفيض في الحديث إليه إذ به يبادهني قائلاً : إنَّ في ردهات نفسي سراً مكنوناً لم أبح به من قبل وقد آن آوانه ، قلتُ له : هاته إن صدر صاحبك قبرٌ للأسرار ، قال : (( للتوّ فارقتُ جنتي المحبوبة والمقدرة لي – فارقتها - بعد سنتين من الإقامة فيها ، وقد تلذذتُ بقطف أحلى الثمر من بساتينها المونقة ، ورياضها العبقة ، ومن العجب أن يفارق الإنسان شيئاً محبوبا إلى نفسه باختياره - لكن هذا ما حصل لي - فقد تركت هذه الجنة الغناء بما تحويه من خضرة تملأ النفس بهجة غير آسف لفراقها ، ولا متحسر على أيامها.

بيد أن سبب مفارقتي لها مع ولعي بها ، هو أنني وصلت إليها بعد طول عناء وأنا مكدود الجسد والخاطر ، وصلت إليها منهكاً متعباً أحمل أشواقي في قلبي وأشواكي في رجلي ، وأتذكر أنني يوم أزمعتُ الرحيل إليها قبل سنوات ركبت القطار كعادة من يريد السفر ، غير أن قطاري تعثر ، وظللت في بُنَيَّات الطريق حائرًا واضعًا كفي على خدي ، حتى فاتني قطاري الذي ركبته ، فجعلت أنتظر قطارًا أخر علَّه يبلغني إلى جنتي ، فكنت كلما رأيت قطارًا قلت: ليس هذا قطاري ... لم يأت قطاري بعد ... وأخذتُ أتعلَّل بشيء من اللهو الممقوت الذي لا يجدر بمن انقطع به المسير ، حتى مرت الأيام والشهور والسنوات وأنا أُسَوِّف ، فرجع قطاري الذي أقلَّني قبل بضع سنوات فركبته ومضى بي إلى جنتي التي خلقت لها ، فوصلت إليها على الحال التي وصفتُ ، فمضيت أقطع أميالها وأجوازها أريد بلوغ الغاية منها ، لأنه من شرط الإقامة فيها ذَرْع مساحتها كلها ، لكنّ متعباً بمثل حالي أنّى له ذلك! فطول الرحلة أفنى طاقتي وكسر أَوَدي ، فلذلك قررتُ الرحيل عنها إلى جنة أخرى رأيتها عن كَثَب وقد تعرّضَتْ لي وتَبَدّتْ بأبهى زينة وكنتُ وقتها متعطشاً للجَمَال هائماً بالحُسْن ، فأغرتني بدّلها ونعيمها ، وكيف لا والطريق لنيل الإقامة فيها مختصر ليس كطريق جنتي الموعودة ، وسهل إذ إن الجهد الذي يُبْذَلُ فيها يسير ، ولشجرها ظلالُ وارفة تبعث على المقيل لكن بغير حدّ ! وفعلاً أمضيتُ عزمي ودخلت هذه الجنة ( المتبرجة ) مفتوناً بها مشوقاً إليها ، لكنني عند تحقيق النظر في مكنونها رأيتُ بساتينَ صَوّحَت، وثماراً كرؤوس الشياطين انتصبت ، ليس في هذه الجنة أنيس يزيل الوحشة ، أو خليل يُحيل الغربة ، نعم يوجد فيها خلائق لكنهم غير بشريين ، وإن كانوا من جنسنا نحن البشر ، أقرب وصف إليهم أنهم أشباهٌ للبشر ، ليس عندهم بضاعة أتقاضاها ، أو تجارة أتوخَّاها ، فهم كمن يبيع ماء زمزم لأهل مكة ، فلا إغراء في بضاعتهم الكاسدة ، حتى تَمَثَّل لي وأنا أتفحص وجوههم أبحث عن رفيق يؤانسني ... تمثل لي قول القائل:

ما في الصحاب أخو وَجْد نُطارحُهُ
حديث مَجْد ولا خل نجاريه

ولبثتُ على هذه الحال من الغربة الروحية ما شاء الله أن ألبث ، حتى إذا بَلَغَت الوحشة مني مبلغ السيل من الزبى ، وطفح مني الكيل وأنا أرى أشجار هذه الجنة الزائفة تُسقى بماء آسن ، فتخرج خضراء زاهية كأحسن ما أنت راءٍ! لكنها تنبت من منبت السوء ، تماماً كخضراء الدمن تبهرك لأول وهلة فما تلبثُ أن تلعنها إذ تذكرك بأختها – أعني - الشجرة الملعونة في القرآن.

ولمّا ضاقت عليَّ برحابتها ، وأحسست فيها بالاختناق ؛ قررتُ العَوْدَ إلى جنتي الموعودة – الموعودة لي – رامياً بجسدي بين أحضانها رغم أشواك أغصانها التي أحس وخزها بين جوانحي ، مشيحاً بوجهي عن بعض قتامها الذي يكدر صفو سمائها أحيانًا ، محتملاً في سبيل بلوغ الغاية منها كل وعر وصعب ، وسوف أمضي في ذَرْع أميالها وفراسخها حتى لا أكذب الوعد الذي قدره الرب الحكيم قبل خلقه السموات والأرض بخمسين ألف سنة - إن كان أحدنا يطيق خروجاً عن السلطان الإلهي - ))

هكذا أخبرني صاحبي بقصته الغريبة غير أنه لم يخبرني ما هذه الجنة التي يتحدث عنها ؟ ومن هم شخوصها؟ وهل هي خيال أم حقيقة؟ وهل بمقدور أيّ منا دخولها ؟ ولما سألتـه ذلك استعفاني الجوابَ ، فألححتُ عليه بالإجابة ، فقال لي: لا تتعب نفسك يا صاحبي فقد أحطتها بسياج من السريّة ، قلتُ : لماذا ؟ ، قال : سأخبرك بها إذا بلغتُ الغاية منها ، قلتُ : ولم لا يكون الآن ، قال : أخشى أن أتعثر قبل الوصول ، قلتُ : لا تخف إنك موعود بها - كما أخبرتني - ، قال ، نعم صدقت ، لكن بلا وعود !!!

أيقنتُ حينها أن صاحبي والبحر الماثل أمامي صنوان متشابهان ، فكلاهما غامض يخفي أسرارًا تنوء بحملها الجبال ، فهو لم يزد على أن أفضى إليّ بسرّ لا يُفتح إلا برقم سري !

</I>

يسلموو ابو عبدو على مرورك الكريم

الله يكتبلنا الخاتمه الحسنه

يسلمو حبيبتي ع القصه

» هل رأيت الجنة ؟؟
» قصة لرجل دخل الجنة ولم يركع لجبار السموات والأرض ركعة واحدة